وضع داكن
06-11-2025
Logo
أسماء الله الحسنى - إصدار 2008 - الدرس : 026 أ - اسم الله الأحد 1
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
 

من أسماء الله الحسنى الأَحَد:


أيها الإخوة الكرام؛ مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى، والاسم اليوم الأحد، هذا الاسم ورد في القرآن الكريم في سورة الإخلاص:

﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)﴾

[ سورة الإخلاص ]

وقد ورد أيضاً في السنة الشريفة الصحيحة،

(( أخرج ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: اللَّهمَّ إِني أسألُكَ بأني أَشْهَدُ أنَّكَ أنْتَ اللهُ، لا إلهَ إلا أنتَ، الأحَدُ الصَّمَدُ، الذي لم يَلِدْ ولم يُولَدْ، ولم يكن له كُفُوا أحَدٌ، فقال عليه الصلاة والسلام: والذي نفسي بيده لقد سأل اللهَ باسمه الأَعظَمِ، الذي إِذا دُعِيَ به أجابَ، وإِذَا سُئِلَ بِهِ أعْطَى. ))

[ صحيح ابن ماجه ]

فالأحَد اسم من أسماء الله الحسنى، ورد في سورة الإخلاص في قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ*اللَّهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ*وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ﴾ وورد أيضاً في السنة الشريفة الصحيحة.
 

وقفة متأنية مع اسم الله الأعظم:


لكن لابد من وقفة عند اسم الله الأعظم، اختلف العلماء في اسم الله الأعظم، بعضهم قال: الرحمن، بعضهم قال: الله، هذا الاختلاف يُحسم بحقيقة رائعة وهي أن اسم الله الأعظم الاسم الذي أنت بحاجة إليه في ظرف معين، فإذا كنت فقيراً فاسم الله الأعظم بالنسبة إليك الغني، وإذا كنت ضعيفاً فاسم الله الأعظم بالنسبة إليك القادر، وإذا كنت تائهاً فاسم الله الأعظم هو الهادي، وكل أسماء الله الحسنى، هذه الأسماء تدور مع الإنسان، فتارةً تواب، تارةً مغن، تارةً رحيم، تارةً قوي، تارةً ناصر، فكل حالة أنت فيها هناك اسم من أسماء الله الحسنى هو بالنسبة إليك اسم الله الأعظم، والذي يلفت النظر أنه ورد في القرآن الكريم في آية هي أصل في هذه الدروس: 

﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)﴾

[ سورة الأعراف ]

إذا كنت مظلوماً فادعُ الله باسمه الناصر، وإذا كنت مضطراً فادعُ الله باسمه المجيب، وفي كل حال أنت فيه هناك اسم من أسماء الله الحسنى شفاء لك، وحصن لك، وأساس في حلّ مشكلتك. 
 

المؤمن الصادقُ خاضع لله متواضع مع خَلق الله:


أيها الإخوة؛ المؤمن الصادق يتعامل مع الله تعاملاً يومياً، يتعامل مع الله تعاملاً ساعياً، المؤمن الصادق يناجي ربه، يستعين به، يستغفره، يتوب إليه، يتوكل عليه، يُعبر لربه عن محبته، يا ربي إني أحبك، وأحب من يحبك، فكيف أحببك إلى خلقك؟ ورد في بعض الآثار القدسية: ذكرهم بآلائي، ونعمائي، وبلائي، المؤمن الصادق له مناجاة مع الله، المؤمن الصادق يُمَرغ جبهته في أعتاب الله، المؤمن الصادق عزيز عزة لا توصف، لكنه أمام الله في منتهى الذل، في منتهى الانكسار، في منتهى الخضوع.
وهناك حقيقة تلفت النظر، كلما مرغت وجهك في أعتاب الله عز وجل رفعك الله، وزادك عزاً وقوةً وحكمةً، بقدر ما تخضع له فيما بينك وبينه يرفع شأنك، أنا لا أتصور أن في الأرض من آدم إلى يوم القيامة إنسانًا رفع الله ذكره كرسول الله عليه الصلاة والسلام، وأتصور أيضاً أنه ما من إنسان خضع لله، وكان عبداً له، وكان في أعلى درجات القرب في سدرة المنتهى كرسول الله عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: 

﴿ فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)﴾

[ سورة النجم ]

الإنسان من شانه العبودية، والله من شأنه الربوبية،

(( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ. ))

[ صحيح الترمذي ]

أي الله عز وجل يغفر لك آلاف الذنوب:

(( عن أنس بن مالك قال اللهُ تعالى: يا بنَ آدمَ! إِنَّكَ ما دَعَوْتَنِي ورَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لكَ على ما كان فيكَ ولا أُبالِي، يا بنَ آدمَ! لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنانَ السَّماءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لكَ ولا أُبالِي، يا بنَ آدمَ! لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأرضِ خطَايا ثُمَّ لَقِيْتَني لاتُشْرِكْ بِيْ شَيْئَا لأتيْتُكَ بِقِرَابِها مَغْفِرَةً.  ))  

[ صحيح الترغيب حسن لغيره أخرجه الترمذي  ]

لكن ذرة واحدة من كبر تحجبك عن الله، للتقريب، جاءك ضيوف كثر، وما عندك شيء تقدمه لهم، إلا كأس لبن أضفت خمسة أضعافه ماء، وجعلته شراباً سائغاً، الكأس من اللبن قبِل خمسة أضعافه ماء، لكن لا يقبل قطرة نفط واحدة، هذه القطرة تفسده، لذلك: رُبَّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً،

(( عن أنس بن مالك: لو لم تكونوا تُذْنِبونَ لخِفْتُ عليكم ما هو أكبرُ من ذلِكَ؛ العُجْبُ العُجْبُ. ))

[  صحيح الجامع: حسن  ]

يا الله! ما الذي هو أكبر من الذنب؟ قال: ((العُجْبُ)) فشأن العبد أن يتذلل لمولاه، لكن المشكلة أن الذين شردوا عن الله يستكبرون على الله، وهم يتذللون، وينبطحون أمام عبد لئيم، فإن لم تكن عبداً لله فأنت عبد لعبد لئيم، والعبد اللئيم لا يرحم، ولا يُسترضى، ولا يُؤمَن جانبه، إن لم تكن عبداً لله فأنت عبد لعبد لئيم. 
 

بين اسم الأَحَد والواحد:


أيها الإخوة؛ الأحد من مشتقات الواحد، الواحد الأحد، فالواحد مفتتح العدد، أول عدد واحد، أما الأحد قال: هذه للنفي، ما جاء من أحد، أما الواحد للإثبات، جاء واحد من القوم، في الإثبات تستخدم واحداً، في النفي تستخدم أحداً، ما أطلّ عليّ أحد من الخلق، دعوت قوماً فجاءني منهم واحد، في الإثبات واحد، في النفي أحد، الواحد لا شريك له، لكن الأحد لا مِثل له، يوجد فرق، واحد من حيث الكم، أما أحد من حيث النوع، فالواحد لا شريك له أما الأحد لا مثل له.
 

معاني الأحد:


لذلك قال تعالى: 

﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا (65)﴾

[ سورة مريم ]

السمِيّ المشابه، هل تعلم مشابها لله عز وجل؟ كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، أما الأحدية قالوا: هي الانفراد ونفي المثلية، والانفراد بذاته، وصفاته، وأفعاله. 
أي من معاني الأحد يحتاجه كل شيء في كل شيء، وليس محتاجاً إلى شيء، يحتاجه كل شيء في الكون في كل شيء، وليس محتاجاً إلى شيء، أحد صمد، وجوده ذاتي، أما الإنسان عبد لله، وجوده معتمد على إمداد الله له.
 

الفرق بين العبيد والعباد:


لذلك ورد في القرآن عبيد وعباد، والفرق بينهما كبير، العبيد جمع عبد القهر، أما العباد جمع عبد الشكر، أيّ إنسان ولو كان ملحداً، ولو كان كافراً، ولو كان فاجراً عبد لله بمعنى أن حياته متوقفة على إمداد الله له، لو توقف القلب أملاكه بالمليارات تنتقل إلى غيره، كان رجلاً فأصبح خبراً، قال تعالى:

﴿ ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضًا وَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ فَبُعْدًا لِقَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (44)﴾

[ سورة المؤمنون ]

فحتى العتاة، الطغاة، المستكبرون، الملحدون، الكافرون عبيد لله قهراً، أي كل مكانتك الاجتماعية مبنية على ذاكرتك، وهناك حالات فقد ذاكرة، كل مكانتك الاجتماعية مبنية على حركتك، وأقل خثرة من الدم في أحد شرايين الدماغ تنتهي الحركة، كل مكانتك الاجتماعية من عقلك، والعقل قد يذهب فجأة.
فلذلك أي إنسان مهما كان قوياً، ومهما كان متجبراً هو عبد لله قهراً، هذه عبودية القهر، لكن المؤمن حينما عرف الله، وأحبه، وأقبل عليه، وأطاعه، وتقرب إليه هذا عبد لله أيضاً من نوع آخر، هذا عبد الشكر، لذلك عبد القهر تُجمع على عبيد.

﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (46)﴾

[ سورة فصلت  ]

بينما عبد الشكر تجمع على عباد. 

﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلًا (65)﴾

[ سورة الإسراء ]

فرق كبير بين عبيد وبين عباد.
أيها الإخوة الكرام؛ الأحد الفرد، الذي يحتاجه كل شيء في كل شيء، وليس محتاجاً إلى شيء، ويستحيل أن تحيط به. 

﴿ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)﴾

[ سورة البقرة ]

علِم ما كان، وعلِم ما يكون، وعلِم ما سيكون، وعلِم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون. 
 

النفي المجمَل والإثبات المفصَّل في أسماء الله وصفاته:


أيها الإخوة؛ من خصائص أسماء الله الحسنى أن الصفات الفضلى لله عز وجل أثبتتها النصوص الصحيحة، الكتاب والسنة، لكن هناك خصيصة دقيقة، النفي المجمل والإثبات المُفصّل، أي أنت ممكن أن تمدح إنساناً تقول: هذا ليس لئيماً ولا بخيلاً ولا مجرماً؟ أعوذ بالله، هذا ليس مدحاً، من كمال الأدب مع الله عز وجل أن تنفي عنه النقص إجمالاً، ومن كمال الأدب مع الله عز وجل أن تُثبت كمالاته تفصيلاً، هو رحيم، ودود، غني، لطيف، من كمال الأدب مع الله أن تنفي عنه النقص إجمالاً، ومن كمال الأدب مع الله أن تُثبت صفاته الفضلى تفصيلاً، بعضهم قال في قوله تعالى:

﴿ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115)﴾

[ سورة الأنعام ]

و﴿كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ القرآن الكريم، والقرآن الكريم بين دفتيه كل ما في القرآن الكريم لا يزيد عن شيئين، أمر وخبر، أمرَك أو أخبرَك، فأمره عدل، وخبره صدق، ما بين دفتي كتاب الله أمرٌ وخبرٌ، أمره عدل، وإخباره صدق، هذا معنى قوله تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾ بعضهم قال: والقرآن حمّال أوجه، أي يا عبادي منكم الصدق ومني العدل، تتفاوتون عندي بصدقكم، الصدق له معانٍ عميقة جداً، المعنى الساذج البسيط الذي يتبادر إلى ذهن كل الناس أن الإنسان إذا حدثك فهو صادق، هذا المعنى صحيح، لكن هناك صدق الأقوال، وهناك صدق الأفعال، أن تأتي أفعالك وفق أقوالك.
مَن هم الأنبياء؟ الذين ما رأى الناس مسافة إطلاقاً بين أقوالهم وأفعالهم، مَن هم المنافقون؟ الذين رأى الناس بوناً شاسعاً بين أقوالهم وأفعالهم، فيا عبادي منكم الصدق ومني العدل، أو: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً﴾ هذا تمهيد، بعضهم قال: لا، ما بين دفتي القرآن وصف للواحد الديان، وأمر وخبر، فسورة الإخلاص تعريف بالله، فهي ثلث القرآن، هذه السورة تُعدّ عند بعض العلماء ثلث القرآن الكريم. 
 

أصل الدين معرفة الله عز وجل:


أيها الإخوة؛ السبب أن أصل الدين معرفة الله عز وجل، هذه كلمة للإمام علي رضي الله عنه: أصل الدين معرفته، وشرف العلم من شرف المعلوم، أي ممكن تعمل دراسة مطولة على قصيدة الإلياذة لهوميروس، قصيدة قيلت في عصور قديمة جداً، وكلها ضلالات وآلهة وشرك، فإذا أحدهم درس هذه القصيدة دراسة مفصلة، وإنسان درس أسماء الله الحسنى، فشرف العلم من شرف المعلوم، وفضل العلم بالله على العلم بخلقه كفضل الله على خلقه، فكلما ارتفع مضمون العلم ارتفع المتعلم، وكلما ارتفع موضوع العلم ارتفع المتكلم.
 

طرقُ معرفة الله عز وجل ثلاثة:


لكن أيها الإخوة؛ طريقُ معرفة الله عز وجل طرق ثلاث، يمكن أن نعرفه من آياته الكونية من الكون خلقه، ويمكن أن نعرفه من آياته التكوينية أفعاله، ويمكن أن نعرفه من كلامه قرآنه، آياته الكونية عن طريق التفكر، وآياته التكوينية عن طريق النظر، وآياته القرآنية عن طريق التدبر، والأدلة، آياته الكونية عن طريق التفكر:

﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)﴾

[ سورة آل عمران ]

أما آياته التكوينية أفعاله:

﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (11)﴾

[ سورة الأنعام ]

أي مستحيل وألف ألف مستحيل أن تطيعه وتخسر، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعصيه وتربح، مستحيل وألف أَلف مستحيل أن تُقبل عليه وتُذل، ومستحيل وألف ألف مستحيل أن تُعرِض عنه وتُعز، سبحانك إنه لا يذلّ من واليت، ولا يعز من عاديت، أما آياته القرآنية: 

﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)  ﴾

[  سورة محمد ]

إذاً هناك طرق ثلاث لمعرفة الله، خلقه عن طريق التفكر، وأفعاله عن طريق النظر، وقرآنه عن طريق التدبر. 
 

العلمُ بخَلق الله والعلمُ بأمر الله والعلمُ بالله:


أما العلوم فتقسم إلى أقسام ثلاث، علم بخلقه، هذا اختصاص الجامعات في الأرض، علم الفلك، الفيزياء، الكيمياء، الرياضيات، علم الذرة، علم النفس، علم الاجتماع، علم النفس التربوي، الجغرافيا، التاريخ، علم بخلقه، والعلم بخلقه أصل في صلاح الدنيا، والمسلمون إذا أهملوا اختصاصاً هم في أمس الحاجة إليه، وتفوق بالاختصاص عدوهم، أثِموا جميعاً.
وعلم بأمره، هذا اختصاصات كليات الشريعة في العالم الإسلامي، افعل ولا تفعل، الحلال، والحرام، والقرض، والوكالة، والحوالة، والكفالة، أحكام الزواج، أحكام الطلاق، هذا علم بأمره.
النقطة الدقيقة أن العلم بخلقه، وأن العلم بأمره يحتاجان إلى مُدَارسة، كلمة مُدارسة تعني أستاذاً، طالباً، كتاباً، محاضرة، مراجعة، حفظاً، تلخيصاً، امتحاناً، شهادة، هذه مُدارسة، فالعلم بخلقه يحتاج إلى مُدَارسة، والعلم بأمره يحتاج إلى مُدَارسة، لكن نتائج العلم بخلقه، ونتائج العلم بأمره هذه المعلومات تستقر في الدماغ، قد يكون الإنسان أمهر طبيب في الأرض، وهو لئيم لؤماً لا يوصف، قد يكون بأعلى اختصاص، ويسلك سلوكاً لا يُرضي، فالعلم بأمره وبخلقه معلومات دقيقة جداً تحتاج إلى ذاكرة، إلى متابعة، إلى دراسة، إلى انتباه، إلى، إلى، بالنتيجة معلومات تستقر في الدماغ، ولا علاقة لها بالسلوك.
 

العلم بالله وثمراته:


إلا إن العلم به يحتاج إلى مجاهدة، قال بعض علماء القلوب: جاهد تُشاهِد.
العلم به يحتاج إلى ضبط الجوارح، ضبط اللسان، ضبط الدخل، ضبط الإنفاق، ضبط البيت، يحتاج إلى بذل، إلى عطاء، إلى خضوع لله عز وجل، إلى عمل صالح، إلى تضحية، إلى إنجاز للوعد، تحقيق للعهد، يحتاج إلى أخلاق، نتائج المُجاهدة ليست معلومات في الدماغ، سمو في النفس، نور في القلب، صبر، حياء، كرم، حلم، تواضع، رحمة، إنصاف، فرق كبير بين العلم بأمره وبخلقه، وبين العلم به، لذلك جاهد تُشاهِد، هناك طريق آخر لمعرفة الله أن تستقيم على أمره، أن تؤثر رضاه، أن تتوكل عليه، أن تفتقر إليه، أن تناجيه، أن تُحسِن إلى خلقه، أن تُحِبّ خلقه جميعاً، أن تكون منصفاً، أن تكون متواضعاً، هذه الأخلاق العلية تُثمر اتصالاً بالله، وحينما تتصل به تشتق منه الكمال، لذلك: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ إن اتصلتم به وأخذتم منه الكمال بهذا الكمال الذي اشتُقّ منه تتقربون إليه.
 

ثمار معرفة الله عز وجل:


أيها الإخوة؛ مرة ثانية العلم بخلقه أصل في صلاح الدنيا، والعلم بأمره أصل في العبادة، لكن العلم به أصل في السعادة.

فلو شاهدت عيناك من حسننـــــا             الذي رأوه لما وليت عنــا لغـيرنـــا

ولو سمعت أذناك حسن خطابــنا             خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــا

ولو ذقت مـن طعم المحبــــة ذرة             عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــا

ولو نسمت من قربنا لك نسمــــة             لمــــت غريباً واشتيـــــــاقاً لقربنــا

[ ابن الفارض ]

* * *

من ثمار العلم به أن الله يلقي في قلبك الآمن، والأمن أثمن نعمة على الإطلاق، قال تعالى:

﴿ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)﴾

[ سورة الأنعام  ]

والله أيها الإخوة؛ يوجد بقلب المؤمن أمنٌ لو وُزِّع على أهل بلد لكفاهم، من ثمار معرفة الله عز وجل الرضا، السكينة تسعد بها ولو فقدتَ كل شيء، وتشقى بفقدها ولو ملكت كل شيء، الحكمة، السكينة، الرضا، الرحمة، النور يُقذف في قلبك، ترى الحق حقاً والباطل باطلاً.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)﴾

[ سورة الحديد ]

من ثمار العلم به أن العقل يهتدي، وأن النفس لا تشقى.

﴿ قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123)﴾

[ سورة طه ]

لا يضِلّ عقله، ولا تشقى نفسه.
من ثمار معرفة الله عز وجل أنه لا خوف على هذا المؤمن، ولا هو يحزن، هاتان الكلمتان غطتا الماضي، والحاضر، والمستقبل.

﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)﴾

[ سورة البقرة ]

في المستقبل، ﴿وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ على الماضي، لا يضِلّ عقلك، ولا تشقى نفسك، ولا تندم على ما فات، ولا تخشى مما هو آت، كل الخير، كل السعادة، كل الرضا، كل السلامة، كل الذكاء في معرفة الله وطاعته: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ .

الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور